عصفور وجراده
و لم يلبث أن انقبض و غص صدره عندما سمع التالي واصل الملك الحديث
و إني حضرت لك اختبارا يليق بمكانك و أمر جنوده فدخلوا بثلاثة براميل كبيرة و أردف الملك قائلا أريدك يا سيد العصفور أن تخمن ما في هذه البراميل الثلاثة المغلقة اسود وجهه و أظلمت عليه الدنيا و ارتعدت أطرافه و هو يرى سيده الملك محمرا وجهه سرورا به و ثقة فيه و زوجته الجرادة التي تعض على أناملها من الخۏف و ملك البلاد المجاورة الذي ينظر إليه متحديا و اتجهت إليه كل العيون تنتظر الجواب بشغف بالغ لقد حوصر تماما ماذا يفعل هل تخلى عنه الحظ بعد أن سكنت له نفسه و في أشد ما يكون حاجة إليه
فهو كذلك يفكر في بداية دخوله هذه المهزلة فمن حاډثة الجرادة و العصفور التي كانت في سهولتها كالعسل ثم حاډثة كنز الملك المسروق التي كانت في احتدامها حامضة كالخل و أخيرا هذه الحاډثة الثقيلة السوداء كالقطران و هو كالعادة رجل يتمتم بكل ما يفكر فيه فتمتم متنهدا متحسرا الأولى عسل و الثانية خل و الثالثة قطران ..
و لم يفق إلا على يد الملك ټضرب كتفه و وجهه متهلل كالبدر أحسنت .. أحسنت علت التصفيقات و الزغاريد و انهمرت عليه التهاني من كل حدب و صافحه الملك و هنأه على نفسه و هنأ عليه ملكه و أجزل له العطايا و هو نفسه لا يصدق نفسه و كأنه في غيبوبة إنهالت عليه تهاني الوزراء و إطراءاتهم و طلب منه الملك زيارته في مملكته و كانت زوجته الجرادة أكثر ما يكون فخرا بنفسها أمام بقية النساء فقد أصبح زوجها الغبي من الحاشية الملكية و أكثر ما يكون منهم إلى الملك قرابة .
و بفضل الجرادة و الحظ أصبح للعصفور مكانة لا ينازعه فيها أحد عند ذي ملك و رياسة و لم يزل الحظ حليفه إلى آخر لحظات حياته و من يدري .. قد يأتي يوم يصبح فيه هو ملك البلاد بأسرها.
و حكاية الجرادة و العصفور هذه إحدى الحكايات الشعبية التونسية ورثها عنهم المهاجرون الجزائريون في أيام الاحتلال الفرنسي و هم يروونها لأبنائهم و أحفادهم يتناقلونها كابرا عن كابر و لا أدري إن كانت هذه القصة لا تزال تحافظ على شعبيتها في وطنها الأم و لكنها مع ذلك ما تزال تتمتع بحظوة لدى الأوساط الريفية أين تعايش الجزائريون مع التونسيين في ذلك الوقت ..